حانت اللحظة الفاصلة ..
بدأت الانتخابات ..
إنه يوم 23 مايو .. ذلك اليوم الذي انتظرناه
كثيراً ..
دعكم من العبارات التقليدية على غرار "
اليوم الفصل " و "اليوم التاريخي " ولكن يمكننا القول أنه (يوم
سيتوج جهودنا التي بذلناها) .. بغض النظر عن أنها أيضاً عبارة تقليدية ..
لكني قبل أن أتحدث عن ذلك اليوم سأعود بالزمن
إلى ما قبل أول يوم إنتخابات ..
وتحديداً بعد فعالية (جليم ) ..
بعد فعالية (جليم) توقفت عن حضور الفعاليات
بسبب الانشغال بالمذاكرة .. وللأسف فاتتني العديد من الفعاليات التي ما إن رأيت
الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بها حتى تمنيت لو كنت قد تواجدت بها ..
فعالية (ستانلي) ..
فعالية (كوم الدكة) ..
فعالية (الورديان) ..
مسيرة (العجمي) ..
مسيرة (سان ستيفانو) ..
وقد تكون هناك بعض الفعاليات التي لم تصلني
معلومات عنها وذلك لأنه كان هناك تكثيف للفعاليات في تلك الفترة ما قبل الإنتخابات
.. وتلك الفعاليات لو حضرتها لكان عدد التدوينات سيتخطى الثلاثون بالتأكيد .
المهم ..
كنت قد بدأت من يوم 21 مايو في إسطوانة
(الزن) على مسئولي الحملة حتى يقوموا بعمل توكيل لي كمندوب عن (حمدين) في لجنتي الانتخابية..
بِدءاً من الاتصال ب(أسامة عابدين) وإنتهاءاً ب(عبد الرحمن صباحي) ..
ومن تصاريف القدر – معناها من حسن حظي - أن الإمتحان
الأخير لي كان قبل الإنتخابات بيوم .. فقلت لنفسي :
" هي مكتوبالك تنزل مندوب يا عم .. نولّهالي يا رب " .
" هي مكتوبالك تنزل مندوب يا عم .. نولّهالي يا رب " .
يوم 22 مايو في العاشرة مساءاً أعدت الإتصال
ب(عبد الرحمن صباحي) للمرة الثالثة تقريباً في نفس اليوم ..
قال لي أنه حتى الآن هناك بعض المشاكل التي تَحُول
دون إكمال التوكيلات ولكنهم سيقومون بحلها وسيتم الإتصال بي عند الانتهاء ..
انتظرت ..
وانتظرت ..
إنها الثانية عشر بعد منتصف الليل ..
جاءني اتصال من رقم مجهول .. أخبرني المتصل
أنه يحمل التوكيل الخاص بي ويمكنني أن أقابله صباحاً قبل بدء الانتخابات لإستلامه
.
بعد ساعتان تحديداً شعرت أنه يجب أن يكون في
حوزتي التوكيل لأنني لا أريد أن أتأخر عن موعد فتح اللجنة ..
إتصلت بمن هاتفني وأخبرته بمخاوفي .. أخبرني أنه
لا مشكلة لديه في أن يقابلني بعد قليل في ميدان المنشية .
إنها الثانية والنصف صباحاً ..
أقف على البحر لأستقل أي ميكروباص للوصول إلى
ميدان المنشية .. وفي حدود ربع الساعة كنت قد وصلت إلى المكان الذي حدده لي المتصل
لأستلم ذلك التوكيل .
في الثالثة والنصف كنت قد دخلت منزلي ..
حاولت النوم حتى السادسة صباحاً ولكني لم
أستطع ..
بدأت في قراءة التعليمات الخاصة بمندوبي
اللجان الانتخابية التي نشرها موقع الحملة وشاهدت مقطع الفيديو الخاص بذات الموضوع
أيضاً حتى جاء موعد المغادرة ..
إبتسمت وقد جاءني خاطر طفولي بأنني كأبطال
مجلات الكوميكس أرتدي زِيّ المندوب وقناع المندوب وتُرفرف عباءتي ورائي وهاهو شعاري
قد تم إضاءته ليظهر على السحاب و..
وهنا قد وجدت نفسي أستيقظ من غفوة استمرت
لمدة خمس دقائق والحمد لله أنها لم تطول .
أحضرت معي هذه المرة التوكيل الخاص بي بديلاً
عن شارة الحملة – والتي قد أخذها (أمير) ولم يعيدها لي من يوم فعالية (جليم) –
التي كنت أصحبها في كل فعالية ..
وتوكلت على الله .
وصلت إلى مقر اللجنة مبكراً والحمد لله ، وإنتظرت
قدوم قاضي اللجنة مع باقي المندوبين ..
للأسف خالفت أول التعليمات التي قرأتها ..
فقد تحدثت مع أحد المندوبين ..
وهو بالمناسبة رجل في عمر والدي ويعمل كسائق
سيارة أجرة وعرفت أنه مندوب عن (أحمد شفيق) في اللجنة المجاورة لي ..
لم يجعلني ذلك آخذ موقف منه فقد تعلمت أن
أتقبل الجميع .. لابد أنه يرى في تأيده ل(شفيق) مصلحة للبلد من وجهة نظره وأيضاً
فكَونه قد قرر أن يكون مندوباً عنه فهو بالتالي قد وصل لدرجة لا يُجدي معها تغيير
وجهة نظره .
تفرقّنا بود ومحبة وإتجهت إلى لجنتي وقدمت
توكيلي إلى قاضِ اللجنة ..
قمت بمعاينة صندوق الإنتخابات أولاً وتأكدت
أنه فارغ ثم أخبرني القاضي أنني أستطيع أن أدلي بصوتي ..
وكنت أنا أول من يضع ورقة تصويت في اللجنة ..
وبرغم الإبتسامة البلهاء التي أرتسمت على وجهي والتي جعلت كل من رآني يعتقد أنني
معاق ذهنياً إلا أنني لم أبالي بما يعتقدون ولم أخْف سعادتي بخوضي تجربة المندوب
وأنني أول من أعطى صوته ل(حمدين) في لجنتي .
اتجهت إلى زجاجة الحبر الفسفوري .. وطلب مني المسئول
عنها أن أغْمس عقلة واحدة فقط من أصبعي داخلها وإذا بي أجد أن أصبعي كله مُغطى
بالحبر ..
اللعنة .. يبدو أنني سأكون موضع سخرية من
المندوبين الآخرين بسبب ذلك .
جلست في إنتظار دخول أول الناخبين ..
دخل أحد الأشخاص وتوجه نحو القاضي وأعطاه
ورقة فعلمت أنه مندوب لأحد المرشحين ، فرسمت الجدية على وجهي لأبدو كمندوب محترف
وجاد ، وتابعته وهو يضع ورقة التصويت في الصندوق وأيضاً وهو يضع أصبعه في زجاجة
الحبر وأيضاً والحبر ينسكب على يده بأكملها !!!!!!!!!
أوبااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
لقد أنسكب الحبر بالفعل على يده بأكملها وهاهو
يحاول مسحه دون فائدة ..
كتمت ضحكتي وتذكرت المثل الذي يقول "
اللي يشوف صوابع غيره تهون عليه صوابعه " ..
أعلم أن المثل لا يقول ذلك لكني لم أجد مثل
أخر لأصف الموقف ف(ما تدققش) ..
كدت أجن من أصبع مغطى بالحبر وها أنا أرى
يد مغطاة بالحبر .. يا للعجب .
جلس بجواري ذو اليد الفسفورية وألقى السلام
وسألني عن أسمي ومن أمثله في رغبة منه في التعارف وأخبرني أنه مندوب عن مرشح
الإخوان ..
قلت في بالي إذن فليس غريباً أن ينسكب الحبر
على يده فهي نوايا على ما يبدو .
بعد قليل جاء مندوب آخر وجلس بجوار مندوب
مرشح الإخوان ووجدتهما يتصافحان بحرارة شديدة ..
لعلهم جيران أو معرفة قديمة .. ما علينا ..
وجدت المندوب الآخر يُلقي عليّ السلام كبادرة
للتعارف وأخبرني أنه مندوب عن (عبد الله الأشعل) الذي تنازل ل(محمد مرسي) ولكنه –
المندوب - من الإخوان المسلمين في الأصل ..
" ااااااااااااه .. مندوب (إحتياطي)
يعني ؟ "
إبتسم إبتسامة تحمل الإيجاب وتحمل أيضاً ما معناه
: " شكلك هتستظرف بقى " ..
يبدو أن الإخوان مولعين بفكرة (الإحتياطي) في
كل شيء كما هو واضح .
ما
علينا ..
جاء مندوب عن (عمرو موسى) وبعده جاء من يحمل
وجبة لمندوب (أحمد شفيق) !!!!!
لا تسألني كيف سبقَت الوجبة المندوب في
الحضور فهذا ما حدث بالفعل ليُسجل التاريخ أن الفريق (أحمد شفيق) هو أول من يَنوب
عنه في اللجان وجبات غذائية لا كائنات بشرية .
بدأ الناخبون في التوافد وبدأت أنا في متابعة
مهامي ..
مرت ساعة وقد لاحظت أن العملية تسير ببطء
وملل شديد وعلىّ أن أظل في هذا الحال لأحد عشر ساعة أخرى ..
" قويني يا رب "
وجدت المندوب الأساسي لمرشح الإخوان قد أخرج الأسطوانة
المعروفة وبدأ في تشغيلها :
" والله أنا بحترم (حمدين) جداً وبحترم دماغه وإلخ إلخ إلخ .... بس عتابي عليه أنه قال إلخ إلخ إلخ إلخ .. "
" والله أنا بحترم (حمدين) جداً وبحترم دماغه وإلخ إلخ إلخ .... بس عتابي عليه أنه قال إلخ إلخ إلخ إلخ .. "
ذلك الكلام الذي حفظته عن ظهر قلب من كل
إخواني وكل مؤيد لأي مرشح يريد أن يُقنعك بمرشحه ..
إن
كان يحاول أن يقوم بذلك الأمر فلابد أنه أبله بكل تأكيد ..
أعطيت له أحد أذناي ليلتهمها بكلامه بينما
تابعت ما قد جئت من أجله .
مرت ساعتان ..
أربع ساعات ..
ست ساعات ..
" هااااااااااااااااااااااااااااااانت
"
قلتها لنفسي وأنا أقف بخارج اللجنة وتحديداً
أمام بابها المغلق أثناء قيام مراقبي اللجنة والقاضي بتناول الغداء ..
كان قد حضر أخيراً مندوب عن حملتنا في اللجنة
المجاورة لي – لجنة كبار السن كما يسمونها العاملين بلجنتي – وهو الأستاذ (مصطفى محمد)
الشهير ب(مصطفى الكاكي) وهو أحد المرشحين السابقين في الانتخابات البرلمانية
الأخيرة على المقعد الفردي .. فتحدثنا عن حال لجنته وحال لجنتي وعند مندوبي مرشح
الإخوان المتواجدين معه ومعي .. وأعطاني الوجبة الفاخرة التي تدل على تمويل حملتنا
الخارجي الذي تحدث عنه الجميع ..
الوجبة التي تغلبت على الثلاث وجبات القادمة
من (مؤمن) لمندوبي (عمر موسى) بالرغم من أن كان هناك مندوب واحد له فقط في المدرسة
بأكملها ..
الوجبة التي قام رجال الأعمال الليبيين
والسوريين والعراقيين مجتمعين سوياً بإرسالها ..
ربع دجاجة وعلبة معكرونة – اللي هي مكرونة –
بالبشاميل وعلبة عصير فرج الله ..
ألتهمتها وأنا أحمد الله على نعمته عليّ وعلى
نعمة العقل التي جعلتني أختار الرجل الأنسب لا الإمكانيات المادية الأعلى .
وجدت المندوب الأساسي لمرشح الإخوان يقترب
مني ويقول لي :
" شوفت مندوب (أبو الفتوح) ؟ .. هو تقريباً مندوب واحد بس في المدرسة كلها .. أنا لقيته جاي وبيقولي : مش هوصيك بقى إحنا قريبين من بعض وفي الأخر مالناش غير بعض فإعتبر نفسك مكاني هنا "
أبديت أن الموضوع أثار إهتمامي وإن لم يثره في الواقع وأبتعدت عنه لأشعل سيجارة قد أعطاني إياها ..
" شوفت مندوب (أبو الفتوح) ؟ .. هو تقريباً مندوب واحد بس في المدرسة كلها .. أنا لقيته جاي وبيقولي : مش هوصيك بقى إحنا قريبين من بعض وفي الأخر مالناش غير بعض فإعتبر نفسك مكاني هنا "
أبديت أن الموضوع أثار إهتمامي وإن لم يثره في الواقع وأبتعدت عنه لأشعل سيجارة قد أعطاني إياها ..
نعم .. أنت لم تخطأ القراءة ..
مندوب الإخوان المنتمي لجماعة الإخوان مُدخن ..
ولكنه يحافظ على الصلاة وهذا الأهم بالنسبة له .
وقفت بمفردي لأجد من يتجه نحوي ويخبرني أنه
مندوب (أبو الفتوح ) ووجدته يقول لي :
" مش هوصيك بقى .. إحنا قريبين من بعض وفي الأخر مالناش غير بعض فإعتبر نفسك مكاني هنا "
" مش هوصيك بقى .. إحنا قريبين من بعض وفي الأخر مالناش غير بعض فإعتبر نفسك مكاني هنا "
بدر إلى ذهني ردود على غرار : " وحياة
والدتك ؟ " أو " نعم يا حيلتها ؟؟ " ولكنني آثرت الصمت وتركته ولكنني
قررت أن أخبر مندوب مرشح الإخوان عن حقيقة ما يفعله ذلك المحتال .
مرت ثمان ساعات ..
عشر ساعات ..
أثنى عشر ساعة ..
أخييييييييييييييييييييراً انتهى اليوم الإنتخابي
..
يوم طوووووووووووويل جداً لم تحدث فيه أية
مخالفات تُذكر من أعضاء اللجنة وإن كانت هناك مخالفات للناخبين قد تصدى لها القاضي
بعد إخباري أو إخبار المندوبين الآخرين له عنها.
أكثر من أربع وعشرين ساعة لم أنم فيهم .. كم
أحلم بالفراش وأنا ألقي بجسدي فوقه ..
ولكني لم أتجه إلى المنزل بل توجهت إلى مقر (رشدي)
..
وظلت عيناي تصرخ في : " عد أيها المجنون
ألا تريد أن تنام ؟؟ "
وقال مخي " ألا تريد أن أسترح قليلاً أيها الأبله ؟ "
وقال مخي " ألا تريد أن أسترح قليلاً أيها الأبله ؟ "
بينما لم تستمع إليهم قدماي وهي تأخذني من
باب الميكروباص إلى المقر ..
نعم اليوم لم ينتهي بعد ..
أما عن ما حدث بعد ذلك فإنني سأقوم بسرده
غداً إن شاء الله نظراً لطول أحداث هذا اليوم ..
محمد العليمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق