السبت، 14 يوليو 2012

(2-9) اليوم الثاني للإنتخابات (الجزء الثاني)

مندوب (أبو الفتوح) يجلس وعلى يمينه مندوب (حمدين) ويجلس بجواره مندوبي (محمد مرسي) ومعهما وكيلاً عنه وعلى يسارهم وكيل (عمرو موسى) ويجاوره مندوب (أحمد شفيق) الذي حضر قبيل بدء الفرز بساعات قليلة ..
مشهد لا يتكرر إلا في الإنتخابات ..
سبعة أفراد يُمثلون خمسة أنماط من المرشحين ..
يجلسون وكل منهم يترقب ويأمل في فوز مرشحه ..
قد يبدو المشهد للبعض وكأنه إحدى حلقات ستار أكاديمي وأن الجمهور سيختار أحد الجالسين بينما المذيعة تقول بلهجتها اللبنانية :
" لحظات أليلي وراح نشوف مين اللي راح يبقا معنا للمرحلة التانية ومين اللي بيختاره الجمهور عن طريق التسويت "
بينما موسيقى تُصيب بالتوتر تدوي لتُزيد الأمر تعقيداً ولا يلاحظ أحد أنها نطقت كلمة (التصويت) بشكل غريب ..
هذا في حالة ما إذا كنت من عشاق (ستار أكاديمي) .. أما إذا كنت مثلي من كارهيه فسيبدو لك الأمر مختلف ..
كان الوضع خليط عجيب من الهدوء والسلاسة ولو كان هناك توتر فقد حبسه كل منا داخله ولم يتسرب إلى جو اللجنة .
في البداية قام القاضي بتوضيح طريقة الفرز والتجميع والإحصاء للعاملين باللجنة ثم بدأ تفريغ الصناديق ..
تم إستبعاد الأصوات الباطلة ثم بدأ مسئول تنظيم الطابور الأستاذ (أحمد) في توزيع أوراق التصويت وقراءة أسم المرشح الذي تم اختياره في كل واحدة منها ..
" حمدين  .. حمدين .. حمدين .. مرسي "
تحولت نبرته عند كلمة (مرسي) إلى نبرة ساخرة .. ويرجع ذلك إلى أن أستاذ (أحمد) لا يطيق الإخوان ، وبرغم معرفته السابقة بمندوبهم الأساسي إلا أنه كان يصارحه بذلك في كل مرة بينما كان يتعامل معي بكل ود وكان من الداعمين لإحتمالية عدم صحة تهمة شراء الأصوات التي كنا سنُتهم بها .
" حمدين  .. حمدين .. أبو الفتوح .. مرسي .. حمدين .. شفيق .. شفيق .. حمدين "
نطق كلمة (حمدين) بسعادة لاحظها الجالسون فظهر الغضب على وجه المندوب الأساسي لمرشح الإخوان وخصوصاُ أنه نطق كلمة (مرسي) بسخرية مجدداً ..
أما أنا فكانت كلمة (حمدين) تصل إلى أذني وتجعل قلبي يرتجف .. ليست برجفة سعادة فقط بل هي ممزوجة أيضاً بالقلق والخوف .
أستمر الفرز وأستمر معه سماعي لأسم (حمدين) بشكل متكرر وازدادت سعادة أستاذ (أحمد) ..
كان ينظر إليّ مبتسماً وكان أكثر مني سعادة ، وظهرت سعادته في إضافته لعدة مصطلحات عند استخراجه ورقة خاصة ب(حمدين) ..
" ها هو النسر يرفرف .. حمدين "
حذره القاضي من تصرفه هذا .. ولكنه أستمر في عمله مبتسماً ..
" النسر .. النسر .. حمدييييين .. أبو الفتوح .. مرسي "
كان المندوب الأساسي لمرشح الإخوان يستشيط غضباً وقال لي أنه تضايق بالفعل مما يفعله أستاذ (أحمد) ولكنني كنت أعلم السبب الحقيقي لغضبه ..
 المؤشرات لتصدر (حمدين) هي ما يغضبه ..
" حمدين .. عمرو موسى  .. حمدين  .. حمدين "
أستمر الفرز إلى ما يقرب من الساعة وما إن انتهى حتى قلت للمندوبين ساخراً :
" شوفتو شراء الأصوات بقى بيعمل ايه .. "
وحانت لحظة تجميع الأصوات ..
وبرغم تأكدي من تصدر (حمدين) إلا أنني كنت في حاجة إلى سماع رقم يُثلج صدري ..
وبدأت الصورة تكتمل ..
(حمدين) تصدر أصوات لجنتي بعدد أصوات 1105 من أصل 2076 صوت صحيح ..
فقمت بإرسال عدد الأصوات في رسالة نصية إلى كلاً من (أسامة عابدين) و(عبد الرحمن صباحي) نظراً لبقائي داخل اللجنة لحين انتهاء تجميع باقي أصوات المرشحين .
نهضت لأقف بجوار النافذة ذات القضبان الحديدية لأستنشق بعض الهواء فوجدت عسكري شرطة يسألني عن المتصدر في لجنتي فأجبته :
- " حمدين "
إبتسم قائلاً :
- " الحمد لله "
لا أستطيع وصف وقع كلمته تلك على مسمعي .. شعرت أنها نابعة من داخلي ومن داخل كل شخص يرى في شخص (حمدين) النصير والمُنقذ من عتمة ذلك الليل الذي نحيا فيه .
تم الإفراج عنا نحن المندوبين وتسلمنا محاضر نتائج اللجنة وخرجت لأرى نتيجة اللجنة المجاورة لي فأخبرني أستاذ (مصطفى) مندوب حملتنا أن (حمدين) أحتل المركز الثاني في لجنته بفارق 81 صوت عن (عمرو موسى) ..
قمت بجمع أصوات (حمدين) في اللجنتين فكان مجموع كليهما يفيد بتصدر (حمدين) في لجنتيّ مدرسة (أبو الهول) بمنطقة مينا البصل  .
وكان مندوب (أبو الفتوح) يقف بجواري في تلك اللحظة فوجدته يُخبرني بأنه سيصوّت لصالح (حمدين) في جولة الإعادة فطلبت منه الدعاء له بأن يتم الله نعمته علينا ونتصدر في باقي اللجان .. بينما رأيت مندوبي الإخوان وقد تحاشا التحدث معي فقلت لنفسي :
- " مصلحة " .
أخبرني الأستاذ (مصطفى) أننا سنجمع محاضر اللجان المحيطة بنا ونتجه إلى مقر الحملة ب(جليم) لتسليمها ..
وكانت النتائج مُبشرة .. وكانت المكالمات تنهال منا وعلينا بخصوص النتائج طول الطريق .. إلى أن وصلنا إلى المقر .
وفي غرفة العمليات سلمنا المحاضر .. وفي غرفة العمليات كان الجميع منهمك فيما يتعلق بتجميع المحاضر ..
كانت غرفة العمليات ما هي إلا خلية نحل بكل ما تحمله العبارة من معنى .. ودون أدنى مبالغة ..
تركتهم وتمنيت لهم التوفيق وتذكرت أنني لم أنم منذ حوالي الثلاثة أيام فغادرت المقر الكبير و ....
اتجهت للمقر الصغير ..
فأنا لم أستطع أن أتخيل مجرد تخيل أن أنام دون أن أطمأن على النتيجة ..
إذاً سأبقى مستيقظاً وسأظل أتابع النتائج في المقر الصغير عبر التليفزيون .
وجدت العديد من الشباب جالسين هناك وجميعهم قد رفضوا الذهاب إلى منازلهم لنفس أسبابي .. ومنهم من كان مندوب ومنهم من كان وكيل عاماً ..
دعوني أقدم لكم بعض الجالسون ..
(بسمة كامل) – من ألقتني داخل الأتوبيس في فاعلية (السيوف) - و(بسمة شلبي) و..
" أنا أسمي (محمد عصام) وده (صفوان) .. "
صافحتهما وجلست بجوارهما وعلموا أنني كنت مندوباً فسألوني عن النتائج وعن الأحوال وسردت لهم كل ما حدث ..
أردت أن أرى ردود الأفعال على النتائج عبر الإنترنت فأستعرت هاتف (بسمة كامل) للولوج إلى الفيس بوك ..
وكانت هناك حالة من التفاؤل منتشرة على الصفحات والجميع يتوقع فوز (حمدين) ..
" يا جماعة (حمدين) لو خسر أنا ممكن يجرى لي حاجة "
قالتها (بسمة شلبي) وهي تتابع النتائج على التليفزيون فأخبرتها أننا يجب أن نتوقع الأسوأ دائماً وأنه لابد من وجود فائز وخاسر وإن كنت أناقض نفسي بقولي هذا .. فأنا أيضاً لا أتخيل أن يفوز أحداً غيره .
أحضر (محمد عصام) لنا الشاي ليُبقينا متيقظين وما إن انتهت كلاً من (البسمتان) – جمع (بسمة) - من شربه حتى أخبرانا أنهما سيتجهون إلى المقر الآخر .. بينما استلقى (صفوان) على الأريكة محاولاً النوم .
جلست أنا و(محمد عصام) بمفردنا نتابع النتائج عبر مختلف القنوات ..
الساعات تركض بشكل مبالغ فيه ..
لم أدرك أن الساعة في تلك اللحظة قد تخطت الثالثة صباحاً إلا حينما أخبرني (محمد) أن أوقظه في الثالثة والنصف ..
ونام هو بينما جلست أنا أغالب ذلك الثقل الذي تحمله أجفاني ..
ولكن لا فائدة .. لقد دخلت إلى عالم النعاس ..
لم أعلم مقدار ما نمته ولكني علمت أن الشمس تشرق حينما فتحت عيناي ..
كان مشهداً رائعاً ذلك الذي رأيته ..
البحر وفوقه خطوط من النهار تتسلل إلى الليل الذي حمل أمتعته وقرر الرحيل ..
أيقظت (محمد عصام) بينما أبى (صفوان) أن يستجيب فتركناه نائماً كما هو ، وقمنا بتشغيل التليفزيون لنرى آخر النتائج ..
(مرسي) في المقدمة يليه (حمدين) ويقترب منه (شفيق) ..
أصابتنا حالة من الدهشة ..
كيف يقترب شفيق ؟؟؟؟؟!!!!!!!!
بل السؤال هو من أين أتت كل هذه الأصوات ؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!
صدعنا بالأمر واستكملنا المتابعة ليصلنا بعدها أنباء شبه مؤكدة عن تصدر (حمدين) لنتائج الإسكندرية وأنه جاري تحديد عدد الأصوات .
صرت كالطالب الذي يحضر أخر محاضرة أدوّن أرقام الأصوات في المحافظات ثم توجهت أنا و(محمد عصام) إلى المقر الكبير ..
كان الأستاذ (محمد عبده) جالساً بجوار الأستاذ (عبودة اليماني) أحد كوادر الحملة وحزب الكرامة .. فتوجهت إليه وأبلغته بما جمعته من أرقام من المحافظات حتى الآن ..
كنت منهمك في القراءة بينما وجدته يقول للأستاذ (عبودة) :
" إسمع وشوف الراجل ده وشوف الشغل والإجتهاد "

لم تمنعني عبارة المدح تلك من إكمال عرضي للنتائج حتى جاءت إحدى الزميلات وأخبرتنا أن النتيجة النهائية للإسكندرية هي تصدر حمدين بعدد 602 ألف صوت ..

حمدت الله ومنعت دموعي من الانهمار .. لم يضيع جهدنا ولم يضيع كل ما فعلناه من أجل أن ينتصر هذا الرجل ..

فعلنا ذلك مؤمنين بكفاءته وصلاحيته لهذا المنصب ..

لقد كُللت مهمتنا في الإسكندرية بنجاح والحمد لله برغم كل العثرات والسلبيات ..

يبقى الهدف الأكبر ..

النتيجة النهائية ..

أنتظرها وينتظرها معي باقي الشباب الذي لم ينم منذ أيام .. ننتظرها لنسعد ربما للمرة الأولى في عمرنا .

للأمانة لم أستطع الصمود أكثر من ذلك دون نوم .. فشددت على همم زملائي وإتجهت إلى منزلي للنوم لعدد قليل من الساعات ثم أعود بعدها للمقر لأتابع معهم المؤشرات النهائية للنتائج ..

أما ما حدث في يوم المؤشرات النهائية فله قصة أخرى قد تكون الأخيرة ولكنها ليست بالأخيرة ..


ما معنى هذا ؟

إنتظروها لتعرفوا ما أقصده ..



محمد العليمي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق