" تيت تيت تيت .. تيت تيت
تيت "
تباً .. أنه ذلك المنبه اللعين ..
صبراً .. ها أنا أستيقظ ..
" أنت لم تنم جيداً .. لن يحدث شيئاً
لو غفوت لمدة ساعتان إضافيتان " ..
فلتذهب إلى الجحيم أيها الشيطان .. هل أنت تابع لأحد المرشحين أم ماذا ؟؟
سأنفض غبار النوم (بالعند فيك) ولن أجعلك
تسعد برؤيتي أتأخر عن موعد فتح اللجنة ..
لكزت ذلك الشيطان الانتخابي في صدره وبدأت في
الاستعداد للمغادرة ..
وبما أنني قد غفوت نصف الساعة في المكيروباص
.. إذن فقد صار مجموع ما نمته ساعتان ونصف ..
فليذهب النوم إلى الجحيم .. والمجد للقهوة
والشاي في إنقاذ هذا اليوم .
كنت حاضراً أثناء فتح الغرفة المتواجد بها
صندوقي الإنتخابات .. تفحصت الأرقام المسلسلة للصناديق والأقفال والأبواب وتأكدت
أن أماكن الصناديق لم تتغير ثم حملت أحد الصناديق مع أحد المندوبين وتوجهنا إلى
اللجنة ..
وبعين صقر تَغَلَب على الرغبة في النوم صرت
أتابع الناخبين وهم يدلون بأصواتهم .
وجدت شاب وقد أطال البقاء أمام الورقة .. شعرت
بالريبة .. فنهضت لأرى ما خطبه ..
نظرت إلى أحد جوانب الحاجز اللامع الذي يضع
فوقه ورقة التصويت فلمحت إضاءة قد سطعت ..
إذن فهو يقوم بتصوير صوته ..
طالبته بالتوقف وأخبرت قاضي اللجنة بما يفعله
ذلك الشاب فتوجه نحوه القاضي وظل يحادثه لمدة دقيقة ثم أمره بإزالة الصورة من
هاتفه المحمول وأن يضع ورقة التصويت في الصندوق ..
وجدت القاضي بعد إنصراف ذلك الشاب يتجه نحوي
ويقول لي بطريقته المتحفظة التي اعتدتها :
" على فكرة الأخ ده كان عاطي صوته
للمرشح بتاعك "
قلت له بدون تردد :
" الحق أحق أن يُتبع .. والغلط غلط حتى
لو كان في صالحي .. وحتى لو كنت لمحت انه عطى صوته ل(حمدين) برضه كنت هبلغ عنه يا
فندم "
أومأ لي برأسه وإتجه إلى مكتبه .
بعد دقائق أتى المندوب الأساسي لمرشح الإخوان
ووجدته يسألني عن الأحوال فأخبرته بما حدث لأنه لو علم من أحد غيري فسيظن أنني لم
أخبره بالأمر لأن على رأسي (بطحة) ما ..
حاول أن يبدو كمن تضايق من سماح القاضي لذلك
الشاب بالرحيل ولكن ما هي إلا لحظات حتى عاد إلى هوايته المفضلة ..
هواية تلميع صورة الإخوان وقراراتهم الخاطئة
..
في البداية حدثني عن غضبه من (حمدين) لقراره
بأن سيُعين نائب قبطي ونائبة له في حالة فوزه .. ومن المثير للضحك أن مرشحه قد قرر
القيام بذلك عندما فاز بالرئاسة .. فكم أتمنى أن أرى ردة فعل الآن ..
يبدو أن التناقض هواية عندهم ..
نعود إلى موضوعنا الأساسي فلا طائل من الكلام
عن من لا يعقلون .
عيناي تتفحصان كل شيء بينما مندوب الأخوان يتحدث
عن سبب تراجعهم عن قرارهم بعدم التقدم بمرشح للرئاسة ..
أرى رجل ترافقه ابنته الصغيرة يتقدمان نحو (الإستاند)
ليقوم بالتصويت بينما يتحدث مرشح الإخوان عن سبب وقوفهم في صف المجلس العسكري حتى
وقت قريب ..
أشعر أن هناك شيء ما سيحدث من ذلك الرجل الذي
ترافقه ابنته بينما يتحدث مرشح الإخوان عن إنجازاتهم في البرلمان ..
هممت بالوقوف لأرى أمر ذلك الرجل ولكن أحد
مراقبي اللجنة قد سبقني إليه ..
كما توقعت .. كان يحاول هذا الرجل أن يلتقط
صورة لورقة تصويته وها هو القاضي يتحدث معه وينظر في الورقة الخاصة به ثم يأمره
بإزالة الصورة من هاتفه ..
أتجه القاضي نحوي وقال لي بهدوء وتحفظ :
" غريبة دي .. ده تاني واحد بيصور صوته
ويطلع صوته لمرشحك "
قالها وتركني أصارع أفكاري ..
جلستُ أضع الإحتمالات في حالة ما إن تكرر
الأمر للمرة الثالثة وتَحوله من صدفة إلى ظاهرة ..
لديّ ثلاث احتمالات :
1- أن يكون الأمر مجرد صدفة وألا يكون
التصوير بغرض إثبات التصويت الخاص بشراء الأصوات ، وأن يكون الغرض من التصوير هو
فقط الاحتفاظ بالصورة كتذكار أو رفعها على الانترنت كما حدث في حالة التصويت
للمصريين بالخارج .
2- أن يكون أحد مؤيدي (حمدين) قد ظن أنه يخدمنا
من خلال قيامه بدفع مبلغ من أجل التصويت له والغرض من التصوير إثبات التصويت له
وهو ما لا نقبله .
3- أن يكون الأمر مُدبر من حملة أحد المرشحين
لتشويه حملتنا وإلصاق تهمة شراء الأصوات بنا .
لا داعي للحكم المبكر على الأمر .. فلأنتظر لأرى
إن تكرر الأمر مرة أخرى ..
وكان من المتوقع أن يثرثر مندوب مرشح الإخوان
حول الأمر وصار يتحدث عن استحالة أن يكون الأمر هو شراء للأصوات من قبل حملتنا لأن
حملتنا تمتاز بالشرف ..
وكان بالطبع اللؤم والخبث يتساقط من كلماته
فأخبرته بالإحتمالات الخاصة بهذا الأمر وأننا يجب أن ننتظر حتى نرى حقيقة الأمر ..
وصاحبَت كلماتي الحدة فآثر هو الصمت وجلس يراقب العملية الإنتخابية كما يسمونها ..
وحدثت الواقعة للمرة الثالثة ..
وكان مندوب مرشح الإخوان هو من ضبطه إن صح
التعبير ..
وكانت تلك اللحظة من اللحظات القليلة التي
تمنيت أن يكون شخص ما قد أعطى صوته لأحد المرشحين الآخرين .. لأن ذلك الصوت إن
خسره (حمدين) فقد أخرس المتربصين ..
ولكن أمنيتي لم تتحقق وكان الصوت ل(حمدين)
بالفعل ..
مممممممممممممممممممممم ..
قال لي القاضي :
" خلي بالك ده تالت واحد يتمسك بيصور صوته ويطلع صوته ل(حمدين) .."
وددت لو أخبرته أنه (جاب التايهة) أو (يا
راااااااااااااااجل) ولكني أخبرته أنني سأقوم بالإتصال بالحملة لأطلعهم على الوضع
..
قمت بالإتصال ب(عبد الرحمن صباحي) وأطلعته على
تلك المشكلة وأخبرني أن الأمر من المؤكد أنه لن يتعدى كونهم يلتقطون صور للذكري
والتفاخر بأنهم أعطوا صوتهم ل(حمدين) ولكن عليّ أن أخبر القاضي بأن يقوم بعمل محضر
إذا ما تكررت الواقعة للمرة الرابعة ولنرى حقيقة الأمر ..
دلفت إلى داخل اللجنة وطلبت من القاضي بأن
يتخذ اللازم في حالة تكرار الأمر .. بينما قمت بالولوج إلى الإنترنت من خلال هاتفي
المحمول وقمت بكتابة (بوست) على صفحة مؤيدي حمدين الخاصة بي أطالب فيه ألا يقوم
أحد بتصوير ورقة تصويته تجنباً لأية شبهات أو مشكلات ..
وانتظرت كنمر ينتظر فريسته – حلو التعبير ده
على فكرة - والعجيب في الأمر أن الفريسة هي شخص سيعطي صوته لمرشحي .. تخيل هذا
!!!!!!
هاهو شاب يرتدي (تي شارت) أحد الأندية ..
ويتقدم نحو (الإستاند) .. يضع علامة أمام أحد المرشحين .. يُخرج هاتفه المحمول ..
يلتقط الصورة .. وها أنا أتوجه نحوه لأطلب منه التوقف وأطلب من القاضي أن يأتي
ليرى الأمر ..
كان رد فعل القاضي هذه المرة مختلف .. فأتجه
نحوه ونظر إلى ورقة التصويت الخاصة به وسأله بعصبية عن سبب قيامه بذلك وسأله عن
إذا كان قد تلقى مبلغ مادي مقابل صوته لأنه رابع حالة تصوير اليوم ويكون صوتهم
لنفس المرشح ..
كان رد الشاب قاطع بل كان مندهشاً من الاتهام
الموجه إليه و قال أنه ألتقط الصورة من أجل أن يقوم برفعها على (الفيس بوك) مثله
مثل الكثيرين ..
أنفرد به القاضي جانباً ودار بينهما حديث لم
أسمعه ولكن بدا فيه محاولة القاضي للضغط على ذلك الشاب بينما بدا على بدا الشاب إنكاره
وإصراره على ما قاله وغضبه من هذا الإتهام ..
يبدو أن القاضي أقتنع أن الأمر لا تشوبه شبهة
شراء الأصوات فسمح له بإستكمال إجراءات الانتخاب ..
ولكني برغم ذلك قررت أن أخرج بحثاً عن حقيقة
الأمر حتى يطمأن قلبي .
إتجهت إلى أحد الشوارع المجاورة للمدرسة ..
كان الشارع ما هو إلا سوق في بدايته بانر تم تعليقه في منتصف الشارع لتأييد أحد
العائلات ل(حمدين) ..
البوسترات منتشرة ل(حمدين) على الحوائط وعلى
واجهات المحال وإن كان هناك بعض البوسترات لمرشحين آخرين ولكنها كانت أقل عدداَ ..
توقف أمام محل بقالة يبدو عليه القِدم لشرب
المياه الغازية وسألت صاحبه :
" أنا ملاحظ ان فيه دعاية كتير ل(حمدين)
هنا .. يا ترى دي دعاية بس ولا الناس هنا مقتنعة بيه وهترشحه ؟ "
قال لي :
- " لأ الناس هنا كلها مقتنعة بيه وكله
بيقنع اللي حواليه .. تصدق وتآمن بالله "
- " لا إله إلا الله "
إتجه نحو أحد الرفوف وأخرج رزمة من الأوراق
وقال :
" أنا مصور له على حسابي أكتر من 200
ورقة دعاية وبديها لأي حد يجيلي .. ومحدش قال لي أعمل كده أنا عملت كده من نفسي ..
الراجل ده هو اللي ينفع يمسكها .. هو اللي هيجيب لنا حقنا يا أستاذ "
- " أومال أيه حكاية الفلوس اللي بتتوزع
عشان الناس تنتخبه دي ؟ "
ضحك بإستهزاء وقال :
"هأوووو .. فلوس ايه يا أبو فلوس ؟ .. أنتا
عارف وأنا عارف مين اللي فعلاً بيوزع فلوس ..
إنما (حمدين) مش محتاج حد يشتريله أصوات .. (حمدين)
الناس إقتنعت بيه خلاص يا هندسة .. "
ألقيت عليه السلام وغادرت عائداً إلى لجنتي
..
وما إن عدت حتى وجدت المندوب الأساسي لمرشح
الإخوان يخبرني بأنه – كما توقعت - أبلغ مسئولي حملته عن ما حدث .. أخبرته أنه لا
مشكلة في ذلك ولكنه لو كان يظن أن في الأمر شبهة شراء أصوات من جهة حملتي فهو واهم
.. فهل يظن أن الحملة إن فعلت ذلك ستتركني أضبط من يفعل ذلك ؟؟؟
ظل يتحدث عن ثقته بنزاهة (حمدين) وشرفه وثقته
في ذلك وكأنني سأصدق ذلك المدح الذي يغرقني به .
توجهت نحو القاضي ووجدته يتحدث مع أحد الرتب
العسكرية وسمعته وهو يخبره بما حدث وأنني أنا من كشفت من يقوم بالتصوير في مرتان من
الأربع مرات وأنه – القاضي – متأكد أن الموضوع لا يتعدى كونه من قبيل الرغبة في
إلتقاط صور كتذكار .
جلست أتابع مهمتي بعدما انتهى ذلك الأمر وجاء
مندوب الإخوان ليكمل دوره في الحديث عن مدى صلاحية مرشحه وإمكانياته ..
هنا فاض بي الكيل .. أخبرته أنه إذا كان
مرشحه بكل تلك المميزات التي ذكرها فلماذا لم يكن إختيارهم الأول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وكيف يطالبوننا بأن يكون إختيارنا الأول في الإنتخابات وهو إختيار جماعته الثاني ؟؟؟؟؟؟
توقف عن الحديث وبدا كمن سكب عليه أحدهم دلو
من الماء المُثلج .. وقال لي :
" عندك حق في النقطة دي "
وكان لجملتي مفعول السحر فقد توقف عن الحديث
لفترة طويلة ..
ومرت ساعة وإثنتان و ثلاث ساعات ولم تحدث أي
واقعة للتصوير والحمد لله ..
وأقترب موعد الفرز ..
لم أكن متفائلاً بالنسبة إلى نتيجة الفرز لأنني
لم أملك أية مؤشرات تُثبت أن النتيجة ستكون مُبشرة لنا ..
وبدأ الفرز وبدأت النتائج في الظهور ..
ولكني سأتوقف عن السرد عند تلك اللحظة
وسأستكمل باقي ما حدث في ذلك اليوم في المرة القادمة إن شاء الله ..
فإنتظروني ..
(يُتَبع)
محمد العليمي